قوة الشفاء والحيوية
المرض والعلاج قديمان قدم وجود الإنسان على وجه المعمورة ، فما دام هذا الموجود الحي عرضة لدواعي الأمراض وأسبابها ، وما دام هو محتاجاً إلى الدفاع عن نفسه وحمايتها من أسباب الهلاك ، فإن المرض بشقيه البدني والنفسي كانت له مساعٍ كبيرة وحثيثة ، للتخلص منه وشفاء الجسد والروح من أمراضهما بالأدوية الفاعلة .
وقد خاضت البشرية على مدى عمرها الطويل حروباً شعواء ضد الأمراض . وكما حثت الشرائع السماوية الناس على بذل الجهود الممكنة من اجل توقي دواعي الأسقام على القاعدة المعروفة ( الوقاية خير من العلاج ) أو ( درهم وقاية خير من قنطار علاج) وكذلك من اجل معرفة أسباب الأمراض و تشخيص العلاجات الناجحة لها .
وحيث تخصص الأنبياء ومن سار على نهجهم في علاج أمراض الروح بالأحكام الشرعية والتوجيهات الرفيعة المنسجمة مع الفطرة الإنسانية والتي تتناغم ومتطلبات النفس الإنسانية ، وترفع عنها موجبات الفساد والانحراف والانحطاط الأخلاقي والاضطراب العصبي الناجمة من ذلك التي تعتبرها مصدر اكثر الشرور والآفات والأمراض الخطيرة .
تخصص آخرون في جانب أخر من العلم الإنساني النافع وهو علم الأبدان فنقبوا وحققوا واجهدوا أنفسهم من اجل كسب أعلى درجات المعرفة في الحدود المتاحة لهم فيها في مجالات تخصصهم في الأمراض . وكانت الأعشاب والحجامة ووخز الإبر والكي من ابر وسائل علاماتهم التي كانوا يعالجون بها مرضاهم و كانوا يتوصلون من خلال ذلك إلى نتائج مرضية .
أما علاقة الأمراض العضوية بالحالات النفسية والانفعالات والاحساسات والكبت الروحي ، فذلك أمر فطنت إليه الشرائع السماوية لأنها من العالم الخبير بمخلوقاته وأكدت على الترابط القوي بين المرض العضوي والانفعال الروحي وسعت جاهدة أن ترفع عن الروح دواعي التأثير والقلق والاضطراب بتنزيهها أو وتطهيرها ، وجعلها نقية صافية ملؤها السكينة والاستقرار والطمأنينة .
كما قال تعالى :- (( ألا بذكر الله تطمئن القلوب )) .
وحين تطالعنا التقارير الطبية الحديثة عن دور الحالات النفسية بالأمراض العضوية المهمة كالسرطان وأمراض القلب وتصلب الشرايين والضغط .. نتلمس عظمة التوجهات السماوية التي تؤكد على سلامة النفس والروح وتأثيرها على الصحة البدنية .
فالقرآن أراد بأحكامه وتعاليمه وآياته المباركة تزكية الروح وتطهير القلب ، وأن يغمر النفس بالسكينة والاطمئنان ، وبذلك يكون المؤمن في مأمن من عوامل الاضطراب والضغط العصبي منطلقاً من اتكاله على الله وتوجهه إليه واعتقاده بأنه في ظل الرحمة الربانية ، وان ما يمر به في هذه الحياة فبعين الله وما يصيبه فيها فهو مأجور عليه من أيام معدودة ، في هذه الدنيا الفانية وان وراءها حياة أبدية خالدة فيها الرحمة الدائمة والسعادة الباقية.
والإنسان المؤمن حين يعتقد بذلك بيقين راسخ ، فإن هموم الدنيا وآلامها لا تجد لها في نفسه متسعاً ولا مجالاً وبذلك يخلو قلبه من المزعجات المعنوية ويبقى في عالم السكينة ، وهدوء الأعصاب وهما الوسيلة الأهم في النجاة من أخطر الأمراض وأقساها .
وإن أفضل أطباء اليوم هم أولئك الذين يستطيعون أن يعيدوا إلى الإنسان المريض المبتلى بالأمراض الخطيرة ثقته بقدرته على الشفاء وأن لديه في نفسه وفى القوة الغيبية الحاكمة المهيمنة قدرة هائلة تستطيع تدمير المرض الذي يعانى منه ، وكم رأينا وسمعنا عن أُناس تمت معافاتهم بالقدرة النفسية وسلطة التأثير الروحي والاعتقاد بأن القوة الروحانية المطلقة بالكون فوق كل شئ وأعلى من كل شيء وأقوى من كل شئ وأنها قاهرة غالبة لا يقف أمام سلطانها شئ اسمه مرض مهما كان مستعصياً وغير قابل للشفاء .
القوة الشافية الكامنة
كما أن للإنسان قدرة على مواجهة العوامل الخارجية ، فان له قدرة كذلك على قهر الصعاب الداخلية ، ففي أعماق النفس البشرية قوة كامنة وطاقة مختزلة أودعها الله بكيانه وبمقدور الإنسان الاستعانة بها وقت الحاجة والضرورة ، وحتى يكون بمقدورنا استخدام هذه الطاقة يجب أن نعى وجودها في أنفسنا أولاً ، وإننا نملك هذه المولدات التي تستشف الطاقة من العالم الروحاني والكوني بعد ذلك نعمل على تركيز جهودنا لأثارتها وتحفيزها عبر العمليات الفسيولوجية المختلفة وعبر تركيز الفكر عليها وتعلم فن الاسترخاء والتنفس والتأمل، فهذه الأمور تعمل على تدفق الومضات والطاقات الروحانية الكونية إلى أجسامنا التي تكون في أمس الحاجة إليها .
والأديان السماوية أكدت منذ القدم على هذا المبدأ فدعت الناس للدعاء والصلاة والابتهال والتضرع وكل هذه الأمور تعمل على شحذ المراكز الروحانية والقوة الكامنة بالنفس بالطاقة شريطة أن تؤدى هذه الأعمال بالوسائل والطرق الغائية ( أي تحصيل الهدف منها ) ولا تؤدى لإسقاط التكليف فالصلاة إن لم تؤدي إلى الراحة النفسية والاطمئنان القلبي والتزود بالطاقة والانسلاخ من البعد المادي فان الصلاة لا تحقق أهدافها سوى إسقاط التكليف الشرعي منها .
فالنفس الإنسانية عالم عجيب يعج بالأسرار الكبيرة التي لم يتوصل العلم في ارقي مراحله إلا إلى الشيء اليسير منها ، وفى النفس الإنسانية طاقات جبارة لم يكتشفها العلم أو اكتشف النزر اليسير منها في بعض المجالات، وعلم النفس الواسع الممتد هذا لا يعرفه على حقيقته إلا بارئه وخالقه والمحيط به .
إن ارتباط القوة النفسية الكامنة بوجود الإنسان يعد ارتباط رئيسي محكم ومركزي بل هو حقيقة هذا الوجود ، فكل سكنات الإنسان وحركاته وتصرفاته وتوجهاته ومشاعره وأفكاره إنما هى من منبع النفس الفياض الزاخر ، ولا عجب أن نرى الآيات القرآنية المباركة والروايات الشريفة تتحدث عن عجائب في قدرة النفس الإنسانية وطاقاتها ودرجات هذه القدرة التي قد ترتفع فتصل إلى الحد الأعلى الذي يتحدث عنه الحديث القدسي (( عبدي أطعني تكن مثلى أقول للشيء كن فيكون )) وإنها تستطيع أن تخترق حجب الزمان والمكان وان تصنع الخوارق التي تذهل الالباب وان تتحدى القوانين الطبيعية ، وسنن الكون بإذن الله وقدرته ومشيئته. كما قال الذي عنده علم من الكتاب { أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك }
إن هذه النفس بقدراتها الهائلة لها جنبة إيجابية من جانب الخير تستطيع من خلالها أن تصلح مسيرها وتقوم سلوكها وتجعل من المعمورة جزءاً متناغماً من الكون في استقامته وسداده ، وتستطيع كذلك أن تحولها إلى خراب ودمار يبكى عليه الكون من حوله ويرثى له مأساته.
وان هذه النفس بهذه القدرات الكبيرة تضعف أحياناً أمام المشاكل والمحن والمصاعب والأزمات الشديدة فتصاب بالأمراض النفسية الخانقة ، وقد يستفحل بها الداء فلا تجد له العلاج وبالتالي تؤثر هذه الحالة حتى على البدن الذي يحتويها فيصيبه من آلامها وهزاتها صدمات شديدة تسبب له الأمراض المختلفة ، متعددة الأطوار متفاوتة الدرجات ، منها القاتل المميت ، ومنها العادي الذي يمكن علاجه وكما وثبت هذا علمياً وطبياً وبما لا يقبل النقاش ، وثبت تأثير العوامل النفسية الدقيقة على جسم الإنسان الحساس وقد بدأ الطب الحديث يتوجه إلى معالجة الأمراض النفسية والعضوية من خلال أيجاد القناعات النفسية أو تغييرها ومن خلال التأثيرات الروحية القوية .
وهذا هو فن قائم بذاته في الطب الحديث وله أثار محمودة في الشفاء ومعالجة المرضى المصابين حتى بالأمراض المستعصية فغاية ما يفعله المعالج النفسي للمريض هو إشعاره بشتى الوسائل بأن مرضه لا شئ وانه قابل للعلاج وأنه سيشفى حتماً .
دمتم بصحة وعافية من الله .